على الهامش

نظر لي ثم قال.. "إذا كان العلماء يقولون أن الكون يتمدد يوماً بعد يوم.. فما هو الشيء الذي يتمدد الكون بداخله؟".. فكرت قليلاً ثم قلت.."ربما يكون الكون هو الشيء الوحيد الذي لا حدود له".. رفع حاجبيه في دهشة قائلاً "الشيء الوحيد!!".. عقبت سريعاً "أقصد الكون ولؤم النساء"

الثلاثاء، 1 مارس 2011

هل أنا مشهور؟

لا أدري لماذا انطلق هذا السؤال فجأة في ذهني.. كنت جالساً في أحد الكافيهات وحيداً شريداً لا يرافقني إلا اللابتوب الأثير.. وبمجرد أن جلست على المنضدة حتى تساءلت.. هل أنا مشهور؟.. السؤال بطريقة أخرى.. هل من الممكن أن يترك أحدهم مكانه ليصافحني مشيداً بالفرصة النظيفة التي جمعته بي رغم أنه كان على وشك المغادرة؟

عند هذه النقطة تحديداً اقترب الجرسون..

- أهلا وسهلا يا فندم شرفتنا..

- (واضح إنه عرفني.. جرسون مثقف فعلاً) متشكر جداً.. (حاولت أن أزيد شعبيتي بأن أعامله بلطف مبالغ فيه) أنا فعلاً برتاح جداً لما بكون هنا عشان الناس الذوق اللي زيك.

- ميرسي يا فندم.. تحب تشرب إيه؟

- أي حاجة فريش.. ويا ريت لو كوكتيل ويكون فيه "شيء من الخوخ" (ضغطت على حروف الكلمة لأذكره بكتابي الشهير صاحب المبيعات الخيالية التخيلية) أظن عارف ليه؟

- هاهاها.. طبعاً يا فندم طبعاً..

- (ياله من انسان رائع.. ده الواحد كان مقصر في حق نفسه أوي.. المفروض بعد كده ألبس نظارة شمس في الضلمة وأرفع الياقة و.. )

- ومين يقدر ينسى فؤادة وعتريس.. شئ من الخوف ده أعظم فيلم في تاريخ...

- قاطعته في صرامة مفاجئة: خليها قهوة سادة..

ثم انصرف عندما وجد الإحباط يتساقط من وجهي.. ولكن لا بأس فقدَر الكتاب أن تنتشر أفكارهم بينما تظل وجوههم خلف الستار.. تماماً كمذيعي الراديو الذين يحتاجون إلى خبير أصوات لكي يصافحهم في الشارع أو يحاول أن يأخذ معهم صورة تذكارية.

"واضح إن حضرتك مشغول.. بس ممكن أستأذنك في صورة لو سمحت".. اخترقت الجملة أذني ووجدت طريقها بسهولة إلى خلايا مخي الذي قام بدوره بإصدار الإشارات العصبية التي أجبرت رقبتى على الإلتفاف ببطء مثير إلى مصدر الصوت. كانت فتاة في أوائل العشرينات على الأكثر تمسك بكاميرا ديجيتال لا تقل رقة عنها وتبتسم في خجل. أجبتها في تواضع العظماء "تحت أمرك".

بدت على وجهها ملامح البهجة الطفولية.. يا لبساطة المعجبين.. ماذا سيفيدها إلتقاط صورة مع شخص مثلي؟.. لن تستطيع وضعها على الفيسبوك لأن أصدقاءها سيعتقدون أنني خطيبها.. ولن تستطيع أن تتباهى بها أمام عائلتها لأنهم بالتأكيد سيظنون أن بنتهم أصبحت مجنونة تتصور مع كل من يحمل لاب توب ويذهب به إلى كافيه.. ولكن هذه ضريبة الشهرة فيجب أن أحتملها وأمري لله.

"تعالي يا رباب".. إذن فرباب أيضاً تريد أن تتصور معى ولكن لا بأس.. كنت على وشك أن أقول الجملة الشهيرة "بحبكوا والله".. ولكنى فوجئت بالفتاة تضع الكاميرا في يدي وتقف بجوار رباب ثم يبتسمان ابتسامة مبررها المنطقى الوحيد أنهما في انتظار أن أقوم بالتقاط صورة لهما.. وقد كان.

إذن فالتجربة أثبتت أنني لست مشهوراً للأسف.. ولكن لماذا الأسف؟ مرت في ذهني أسماء خمسة من المشاهير فوجدت أنني لا يشرفني أن أكون مثل أي منهم.. وهنا بدأت هذه الجملة المحورية تتكون في عقلي.. تقول الجملة.. "لا توجد أي علاقة بين الشهرة والنجاح.. فليس كل ناجح مشهور.. وليس كل مشهور ناجح".

جملة ركيكة لغوياً فربما كان الأصح أن أقول "أية علاقة" وليس "أي علاقة".. ولكن لاحظ أنني وضعتها بين علامتي تنصيص لكي أغريك بأن تقتبسها وتكتبها ك "status" على الفيسبوك.. وهو ما سوف يجعلني أشعر بسعادة بالغة لأن ذلك سيمنحني مزيداً من الشهرة.. أو لنكن أكثر دقة.. سيمنح الجملة مزيداً من الشهرة.

إذن فبالنسبة للكاتب تصبح الشهرة وسيلة لنشر الأفكار والآراء ولا تصبح هدفاً ذاتياً إلا إذا كان الكاتب يعاني من مشاكل نفسية.. ولكن الغريب أن الناس عادة تتجمع حول الشخص المشهور دون أن تتساءل عن مدى تأثيره في حياتنا.

على سبيل المثال كان نزول محمد عطيه (نجم ستار أكاديمي الذي ربما نسيناه) كان نزوله إلى شارع جامعة الدول كفيلاً بتعطيل المرور في المهندسين كلها.. وفي نفس اللحظة التي يحاول فيها عطيه الهروب من معجبيه ستجد عم محمد الفلاح البسيط يجلس لأيام على الرصيف أمام التأمين الصحي في انتظار ختم على الروشتة يمكنه من صرف علبة دواء على نفقة الدولة.. عم محمد منح مصر على مدى سنوات عمره مئات الأطنان من القمح.. بينما عطيه منحها شرف أن يكون نجم ستار أكاديمي أحد أبنائها.. وهذا ليس ذنب عطيه بالمناسبة.

كما نلاحظ أيضاً أننا نهتم كثيراً بمعرفة آراء الشخص المشهور.. أثناء الثورة التي غيرت معالم الحياة في مصر وجدنا من يتساءل عن رأي عمرو دياب في الموضوع.. وخبر آخر عن غضب جمهور كريم عبدالعزيز لأن كريم لم يوضح موقفه من الثورة (!).. رغم أنك ربما تقرأ آراء عميقة ومهمة للغاية لآخرين لا يهتم أحد بالنظر إليها لأن أصحابها ليسوا من رموز مصر القديمة. وستجد هذا التعليق عليها "إنت مين يا عم إنتا عشان تتكلم عن مبارك".. فرغم أن اسم صاحب المقال يبدو واضحاً وهو ما يجرد السؤال من قيمته، إلا أن السؤال يتجاهل أيضاً حقيقة أن عقل الانسان ليس مرتبطاً بمدى شهرته.. وأن كل المشاهير كانوا يوماً ما بشراً عاديين ولم تتغير عقولهم نتيجة للشهرة.

واستمرت الأفكار تتدفق على ذهني.. لم يقطعها سوى هذا الصوت الوقور الذي سألني في أدب "أستاذ عمر كامل.. صح؟".. أجبته بابتسامة عريضة "صح طبعاً.. حضرتك عرفتني منين؟".. أجابني بابتسامة هادئة وهو يعطيني شيئاً ما.. "بطاقة حضرتك كانت واقعة جنب الكرسي".