كنا جالسين على الرصيف أمام كشك حاجة ساقعة.. نأكل ونشرب ونحكي.. الوقت لم يكن يهمنا كثيراً فمن يشعر براحة البال نادراً ما ينظر في الساعة.. قال لي: عارف؟ أنا ممكن أشرب إزازة البيبسي دي كلها على مرة واحدة !
نظرت له في عدم اكتراث ثم قلت: الأصعب من كده إنك ماتشربش منها حاجة وتديها لواحد غلبان.. هو محتاجها أكتر منك.
شعر ببعض الحرج فقال محاولاً تحسين صورته: على فكرة أنا عملت كده فعلاً ومع حاجة أكبر وأهم بكتير من إزازة حاجة ساقعة..
ثم وضع الزجاجة بجانبه.. نظر إلى الطريق في شرود وبدأ يحكي قائلاً:
كانت زميلتي في الجامعة.. ماتستغربش.. وماتسألش عن اسمها عشان مش هقولك.. ومش هقوللك بقى كنت بحبها وبدوخ لما أشوفها والجو ده.. لأ.. أنا مليش في الكلام ده.. بس ممكن تقول كده إني أول ما شفتها قلت بس خلاص.. هي دي.. وقفشت معايا على كده.
قلت خلاص هتجوزها إن شاء الله.. وش كده.. وبدأت أفكر أكلمها الأول ولّا أكلم أهلها.. أنا كنت لسه ماتخرجتش على فكرة بس قلت عادي ما أنا أكيد هتخرج إن شاء الله.. سألت واحد صاحبي قاللي يا مغفل طالما ليك كلام معاها لازم تكلمها هي الأول.. بيني وبينك أنا كنت عارف كده من الأول بس كنت بستعبط.. كنت عايز أكلم أبوها عشان إحنا رجالة مع بعض ومش هتكسف منه لو زبلني.. إنما لو جت منها هي هعد سنتين أسمع هاني شاكر ومصطفى كامل وأنا مش بحبهم أصلاً.. المهم قلت لأ.. أتقل شوية كده لحد ما نشوف..
بدأت أركز معاها من بعيد لبعيد.. كل يوم كنت بكتشف فيها ميزة.. كنت حاسس إنها مفيهاش عيوب.. حاجة كده زي ما تقول... مش عارف.. بس كانت ما شاء الله يعني.. نموذج إجابة سؤال ما هي مواصفات الزوجة المثالية.. المهم صليت استخارة وقلت هكلمها وزي ما تيجي تيجي.. أصل أنا عندي مبدأ في الحياة.. كل ما تلاقي نفسك متردد.. اعمل الحاجة اللي انت خايف تعملها.. وإلا هتعيش طول عمرك تقول يا ريتني كنت خدت الخطوة دي.
نزلت الجامعة وفضلت أدور عليها مالقيتهاش.. قلت مش مهم الأيام جاية كتير.. وانا مروح في الطريق جه في دماغي سؤال.. هو أنا ليه ببص لمصلحتي بس؟ ليه أنا عايز أتجوز واحدة شبه مثالية مع إن أنا مش شبه مثالي؟ أصل أقولك على حاجة.. إنت لو بتحب حد هتتمناله الخير مش ها تزمبـؤه (تخدعه).. أنا عارف نفسي كويس.. هي كويسة أوي يا عم بالنسبالي.
هتقوللي طب وإنت عامل فيها شهم أوي كده ليه؟ ما تتقدملها وهي تشوفك ولو طلعت أي كلام هترفضك؟ هقوللك طب وليه أسيب احتمال إنها ماتخدش بالها من حاجات أنا عارفها عن نفسي.. جايز هي برضو تكون فيها حاجات أنا مش شايفها بس برضو ده احتمال. مش هتصدق بقى لما أقولك إني يومها قريت جملة بتقول "أحيانا نضطر للابتعاد عمن نحب.. ليس لأننا نحبهم أقل.. بل لأننا نحبهم أكثر".. جو أسامة منير بقى بس فعلاً عجبتني ورشقت في دماغي.
وقلت مادام أنا نيتي خير إن شاء الله ربنا هيكرمنى.. وبعدين.. فعلاً ماكنش ينفع.. أصل إنت لو تعرفها هتفهم أنا برغي في إيه.. كانت قماشة تانية يا عمر والله.. ياللا مش مهم.. بقوللك إيه.. ما تيجي نروّح؟
قلت له في هدوء: إنت ماشربتش البيبسي!
ابتسم ابتسامة حزينة.. ولم يعلق..
· من كتاب "مذكرات واحد صاحبي" مشروع القرن الحادي والعشرين بالنسبالي
