على الهامش

نظر لي ثم قال.. "إذا كان العلماء يقولون أن الكون يتمدد يوماً بعد يوم.. فما هو الشيء الذي يتمدد الكون بداخله؟".. فكرت قليلاً ثم قلت.."ربما يكون الكون هو الشيء الوحيد الذي لا حدود له".. رفع حاجبيه في دهشة قائلاً "الشيء الوحيد!!".. عقبت سريعاً "أقصد الكون ولؤم النساء"

الأربعاء، 30 مارس 2011

هكذا أحاول أن أكون مختلفاً..

حسناً سأحكي لكم كيف أشعر الآن.. هو نفس الشعور الذي أجده عند كتابة شيء جديد.. لقد كتبت كثيراً جداً من وجهة نظري ولم أعد قادراً على أن أكتب ما هو أفضل.. بالتأكيد سيقارن هذا المقال مع ما سبقه مقارنة غالباً لن تكون في صالحه.. سأحاول أن أكتب شيئاً أفضل.. ولكن كيف؟ لابد أن يكون مقالاً مختلفاً.

نعرف جميعاً أن قدماء المصريين اخترعوا الكتابة منذ آلاف السنين.. هل تظنون أنني أستطيع أن أجد موضوعاً لم يكتب عنه أحد طوال هذه الفترة؟ قد أكون مدهشاً ولكن المهمة صعبة بالتأكيد.. فكرت كثيراً حتى وجدت الموضوع الذي لم ولن يكتب عنه أحد.. سأكتب عن نفسي.. وسأتحدى خوفي من اتهامي بالغرور.

بمنتهى الصراحة أعتقد أنني أحياناً أتصرف بشكل جيد.. وأشعر بذلك كلما تصرفت بشكل سيئ جداً.. لأنني حينها أحاول أن أكتشف الجانب الجيد من الموقف السيئ وصدقوني يصنع ذلك فارقاً ضخماً.. على سبيل المثال في أحد الأيام اكتشفت فجأة أنني فقدت محفظتي بكل ما فيها من كارنيهات وأموال لا تعد ولا تحصى. ذهبت بعدها وأنا يائس إلى المسجد لأصلي ودعوت الله أن يهون مصيبتي، فخرجت لأجد أحد المعجبين قرر أن يحتفظ بحذائي على سبيل التذكار وأن يصطحبه معه إلى منزله.. كانت لحظة صعبة بالفعل تلك التي أدركت فيها أنني أعيش بلا جنيه أو كارنيه أو حتى حذاء.. ولكن أروع ما فيها أنها جعلتني أدرك أنني أستطيع أن أتحمل فقدان كل هذه الأشياء دون أن أفقد وعيي أو أن أصاب بالصرع.. فأنا مقتنع أن أروع ما في الأمور السيئة أنها تجعلك تكتشف أنك ما زلت قادراً على تحملها.

أحاول بكل جهدي أن أكون مختلفاً عندما أجلس مع مجموعة من الناس.. يمكنك أن تحقق ذلك بمنتهى السهولة.. فقط حاول أن تستمع أكثر من أن تتحدث.. سيندهش الجميع بمجرد أن تفتح فمك وسيهتمون بشدة بكل حرف تقوله وستبدو كلماتك مليئة بالحكمة خصوصاً لو كنت تتحدث بهدوء تصحبه ابتسامة خفيفة. الاستماع فضيلة تجعلك محبوباً من الناس فهي تعبر ضمنياً عن اهتمامك بهم.. بالإضافة إلى أنها وسيلة لاكتساب الخبرات فالشخص الذي يستمع إلى الكثير يتعلم الكثير. كما أنه في هذا الزمن الملئ بالأبواق ووسائل التعبير يصبح الشخص الذي يجيد الاستماع إلى الآخرين.. مختلفاً.

وسأحاول من الآن أن أكون مختلفاً عن كل الكتاب.. كلهم يقابلون كلمات الإشادة بإظهار التواضع مستخدمين عبارات مثل "العفو ده بس من ذوقك"..أو "الكلام ده كتير عليا قوي".. مرة أخرى سأتحدى خوفي من اتهامي بالغرور وأقول إنني لا أصدق نفسي عندما أقول هذه العبارات.. أنا أعرف بشكل غير مؤكد أنني أكتب كلاماً يصلح للقراءة وإلا يصبح نشره على الملأ محاولة لإضاعة وقت القراء. أعتقد أن اللباقة لا يجب أن تتعارض مع قول الحقيقة والأفضل من قول "أنا ماستحقش كل ده" هو قول "يا رب أكون أستحق كل ده".. فمنتهى الحماقة أن يتصور انسان أنه يملك موهبة ما.. هو فقط يتمتع بها للحظات لا يعلم عددها إلا الله.. فالموهبة هي الشيء الوحيد الذي نفقده بمجرد أن نعتقد أننا نملكه.

ولكي تصبح مختلفاً في هذه الأيام بالتحديد لابد أن تكون مثقفاً.. وفي عصر التيك أواي لم يعد أحد يملك الوقت أو الصبر لكي يقرأ كتاباً ثقيلاً.. وأصبح الكل يعتمد على ال "تويتس" أو المقالات السريعة لتكوين الآراء في قضايا معقدة دون محاولة بناء ثقافة كاملة أو خلفيات عميقة.. أحاول أن أقرأ الكتب فهي وسيلة جيدة لكي تكون رأياً مختلفاً يجعل الجميع ينظرون إليك كأنك مفكر مخضرم.

أنا انسان مختلف بلا شك فأنا بسيط.. مؤدب.. لطيف.. رشيق.. ذكي.. ملتزم.. لحظة واحدة !!.. هل تعتقدون أنني بالفعل بهذه الروعة.. بالعكس أنا لا أملك شيئاً على الإطلاق من كل ما ذكرت.. بل إنني أقسم أنني أعتبر نفسي شخصاً سيئاً جداً.. لست سعيداً بحالي وإن كنت أحمد الله عليه.. ولهذا السبب فقط فأنا أحاول – بكل استطاعتي - أن أكون مختلفاً.


http://www.facebook.com/home.php?sk=group_203962466297315&ap=1

الجمعة، 18 مارس 2011

عندما قابلت عمرو سلامه..

قدراً قابلت المخرج والمدون عمرو سلامه.. ولأنني أعتبر الكتابة وسيلة لتوثيق الأحداث التي أتمنى أن أتذكرها فقد شعرت بالرغبة في كتابة ما دار بيننا من نقاش امتد لمدة ربع ساعة أو أكثر.. أود في البداية أن أوضح أنني أختلف مع معظم ما يكتبه عمرو سلامه وإن كنت مقتنعاً تماماً بإخلاصه ورغبته في صناعة وطن أفضل.. لذلك لم أكن سأسامح نفسي لو لم أستغل الموقف لمناقشته فيمَ أختلف معه.. ولن أسامح نفسي أيضاً إذا لم أكن صادقاً في نقل ما دار حرفياً.

- أنا: معلش يا عمرو هعطلك دقيقة بس أنا عايز أقوللك حاجة أنا مختلف معاك فيها.

- عمرو: آه قوي قوي.

- أنا: حضرتك كنت كاتب على الفيديو المعارض لتعديل الدستور "أنشر الفيديو وخليك إيجابي"

- عمرو: تمام

- أنا: أنا شايف إن الإيجابية هي إني لما أشوف حاجة غلط أحاول أغيّرها.. وإذا كنت هعتبر محاولة تغيير رأي الناس إيجابية فده معناه إني شايف إن رأيهم غلط.. وعشان أحكم على حد إنه غلط لازم يكون في مرجعية.. إنما دي آراء واجتهادات كلها تحتمل الصواب والخطأ.

- عمرو: أنا قلت أنشر الفيديو وخليك إيجابي بمعنى إنك تنشره لو اقتنعت إن الرأي ده هو الصح. وبالتالي إنت تحاول تنشر الصح من وجهة نظرك.

- أنا: أصل أنا فهمت من كلمة "أنشر وخليك إيجابي" إني لما مش هنشر هبقى سلبي.

- عمرو: لا لا.. أنا قصدي إنك لو اقتنعت، ومتهيألي إن ده المعنى المفهوم من الجملة.

- أنا: طيب مش شايف إنك كلمة "قول لأ" فيها توجيه لآراء الناس والتوعية المفروض تعرض وجهتين النظر في نفس الفيديو والمواطن هو اللي يحدد رأيه.

- عمرو: أنا لما بقول "قول لأ" فده من باب النصيحة.. وأكيد أنا مقدرش أجبر حد على حاجة.. وموضوع إننا نعرض وجهتي النظر ده مش بيحصل في الحملات الدعائية.. يعني مثلاً أوباما من حقه يعمل فيديوهات تقنع الناس إنها تنتخبه من غير ما تبين مزاياه وعيوبه مقارنة بالمنافس بتاعه.. وده مش توجيه للرأي إنما ده بيحصل في أي مجتمع ديموقراطي وكل واحد حر يقول رأيه.

- أنا: في موضوع تاني وهو إنك كنت بتطالب قبل كده بإلغاء الرقابة على السينما.

- عمرو: أيوه وأنا مقتنع إن لازم الجمهور يبقى هو الرقيب.

- أنا: مش شايف إن في أمريكا مثلاً الأفلام بتبقى فيها حاجات مش محترمة عشان مفيش رقابة.

- عمرو: أنا رأيي إننا نعمل الفيلم ونصنفه عمريا يعني نقول ده فوق 18 سنة وده فوق 25 سنة وكده.. والأهم إننا نعلن إيه سبب التصنيف.. لكن الرقابة مثلا بتقص الشتايم من الفيلم مع إن الشارع مليان شتايم.. السينما لازم تعكس اللي بيحصل في الشارع.

- أنا: بس إحنا عندنا مانع مش موجود في أمريكا وهو إن في حاجة إسمها حرام وحلال.. يعني في مناظر حرام إن الناس تشوفها فلازم نحاول نمنع الحاجات دي.

- عمرو: ده سببه الكبت الجنسي والمنع مش هيحل المشكلة.. جايز يخبي أعراضها بس مش هيحلها.. وبعدين دلوقتي النت في كل حاجة.. فيلم زي بون سواريه فشل رغم إن في مناظر عشان فكرة الاعتماد على المناظر فقدت السبق.. يعني اتعملت قبل كده.. وبالتالي الجمهور هو اللي هيخلي الناس تعمل أفلام محترمة مش الرقابة.

- أنا: إحنا الإسلام بيقولنا "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" يعني أنا لو مسئول عن السينما في مصر فربنا هيحاسبني على الحاجات الغلط اللي بتطلع في الأفلام وممكن أمنعها.. أنا فاهم إن ده بيعالج الأعراض مش المرض.. ولكن إيه المانع إن أنا أعالج الأعراض والمرض بدل ما أسيب الأعراض. خصوصاً إن في اللحظة دي علاج المرض لسه قدامه وقت كبير.

- عمرو: كلكم راع معناها إن الراعي ده مسئول عن إنه يوفر للناس حياة أحسن.. وأي حاجة محتاجة وقت.. دي مرحلة انتقالية ممكن تعد سنة بالكتير وبعدين الجمهور هيظبط السينما.. إنت عالفيس بوك مش بترضى تعمل شير لحاجة فيها شتايم أو كده عشام عارف إنك عندك بنات عالبروفايل ممكن يشوفوها.. هو ده اللي هيحصل في السينما.

- أنا: خليني أسألك سؤال مع فارق التشبيه.. هل إنت شايف مثلا إننا نسمح ببيوت الدعارة ومانحاولش نمنعها أمنياً؟

- عمرو: أنا علماني.. وشايف إن المنع مش حل بدليل إن الحاجات دي موجودة.. بالعكس عدم وجود رقابة قوية بيكون ليه نتايج أسوأ من إلغاء الرقابة تماماً.. عشان الممنوع مرغوب.. في تركيا مثلا بدل منع الدعارة.. أردوغان جمع الناس دي وعملهم مشاريع وشغلهم وبكده عالج المرض مش العرَض.

التعليق:

كنت أتناقش معه دون أن أحاول أن أقنعه لأن ظروف الوقت لم تكن تسمح، وكنت أحاول أن أفهم منه ربما أقتنع. ولكن تعليقي أن الأستاذ عمرو انسان لبق يجيد الإجابة بكلام مقنع جداً ولكنه لا يرد على نقاط الاختلاف ولكنه يتجاوزها إلى نقاط الاتفاق. إذا قرأت ردوده ستقتنع بنسبة كبيرة ولكني لم أقتنع.

نقطة الإيجابية: كان الخلاف الأساسي هو ما هي المرجعية التي تحدد الصواب من الخطأ.. أنا لو سألتك الساعة كام دلوقتي؟ ورديت إنها عشرة بينما في الحقيقة الساعة تسعة. سأقول لك إنت "غلط" عشان في مرجعية كلنا متفقين عليها وهي الساعة. في حالة التعديلات الدستورية كنا نفكر ونحلل ثم نصل إلى رأي وبالتالي لا توجد مرجعية تحدد الصواب والخطأ.

نقطة توجيه الرأي: في المجتمع الديموقراطي يحدث توجيه للرأي من عدة جهات تتبنى وجهات نظر مختلفة (زي حالة الانتخابات وأوباما والحملات الدعائية) ولكن كل حملة تعترف أنها توجه الرأي العام ولا تدعى أنها تقوم بعمل توعية.. والديموقراطية هي حكم الأغلبية وبالمناسبة فليس لها علاقة بموضوع النقاش.

نقطة الرقابة: قال عمرو أن الرقابة تعالج العرَض ولا تعالج المرض.. ولم يرد على نقطة وما المانع من إيقاف العرض حتى زوال المرض.. عندما يحدث نزيف داخلى فالأطباء يوقفون النزيف أولا (العرَض) ثم يتعاملون مع السبب الأساسي له وهي نفس فكرة الإسعافات الأولية.. الفكرة أنني عندما سألته عن احترام المرجعية الدينية كان المفترض أن يرد بطريقة تجهض الإدعاء بمعنى أن يثبت أنه لا تعارض مع الدين في هذا.. لأن مجرد الاعتراف بوجود تعارض مع الدين يغلق باب الاجتهاد.

فكرة أردوغان وعمل مشاريع بدلا من الدعارة.. هي فكرة عامة جدا والكل متفق معها في فتح مصدر دخل شريف بدلا من المصدر الغير شريف.. وأيضاً هذا لا يمنع أن نحاول منع المصادر الغير شريفة.

كانت هذه محاولة لعرض وجهتي نظر مختلفتين.. ولك مطلق الحرية في تكوين رأيك ولكن الهدف الأساسي من نشر هذا المقال توضيح أنه أحياناً تكون الردود مقنعة ولكنها في الواقع تكون ذكية أكثر منها مقنعة.. وأؤكد أنني اقتنعت الآن أكثر من أي وقت مضى أن عمرو سلامة شاب وطنى مخلص أختلف معه ولا أختلف عليه.

الأحد، 6 مارس 2011

بين السماء والأرض

ضغطت على الزر ثم وقفت أنتظر وصوله.. السادس.. الرابع.. الثاني.. أخيراً وصل الأسانسير إلى الدور الأرضي لكي يريحني من عناء مقاومة الجاذبية في سبيل الوصول إلى شقتي بالدور الثامن.. للأسف أحتاج يومياً إلى المرور على ثمانية أدوار لكي أصل إلى هدفي، وبشكل ما أقوم بذلك في حياتي متنقلا بين دور الرضيع ثم الطفل ثم التلميذ فالطالب فالمهندس فالزوج فالأب فالجد ثم المغفور له بإذن الله.

دلفت مسرعاً داخل المصعد متجنباً أن أنظر يميناً حتى لا أجد نفسي مضطراً لانتظار رفيق يشاركني رحلتي. لسبب ما أشعر براحة أكبر عندما أكون وحيداً داخل المصعد، ربما لكي أتمكن من التأمل بحرية في المرآة التي توجد بداخله.. أو ربما لكي أتجنب حواراً غالباً ينتهي بشكل مفاجئ فور أن يصدر المصعد رنينه المميز معلنا نهاية الرحلة.

ضغطت على الزر الذي أصبحت أحفظ إحداثيات موقعه عن ظهر قلب.. بدأ المصعد في التحرك بثقة مردداً "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين".. هو يرددها نيابة عن الركاب الذين لن ينتبهوا غالباً إلى المعجزة التي جعلتهم يتحركون دون أن يتحركوا.. فالمعجزة عندما تتكرر كثيرا تفقد قدرتها على إحداث التأثير المطلوب. بدأت أفكر في المعجزات التي تحدث كل يوم دون أن نشعر بها وآخرها تلك التي جعلتني أنهض من فراشي لأواجه يوماً جديداً رغم كل ما مررت به في اليوم السابق من تعب ومشقة وخداع و... وفجأة توقف المصعد قبل أن يصل إلى الدور الثاني.. انقطعت الكهرباء فتوقف كل شئ.

ساد الظلام فجأة فاختفت حدود الزمان والمكان.. بدأت أتحسس الجدار المقابل فوجدت أن المصعد لم يدرك إلا جزءاً صغيراً من باب الدور الثاني حتى أنه بالكاد يكفي للتأكد من أن الظلام قد حل على المبنى بالكامل وأن ما حدث لم يكن مجرد عطل في المصعد.

ابتسمت دون أن أشعر حين تذكرت عبارة رجل المستحيل أدهم صبري في إحدى عملياته حين قال "المصاعد لكبار السن والمسنين.. كما أنها تبدو كمصيدة مثالية فيمكن قطع التيار الكهربي عنا أو اصطيادنا بقنبلة يدوية بسيطة".. إذن فهذه أحد مزايا أن تكون رجلا عادياً وألا تكون رجلا مستحيلاً.. حيث لا يضطر الناس حينها إلى إلقاء القنابل اليدوية البسيطة عليك أو قطع الكهرباء عن المبنى الذي تتواجد بداخله.

حسناً.. لا داعي للقلق.. سأتصل بالبواب لكي يجد حلاً.. بالتأكيد لديه حل.. أخرجت تليفوني المحمول وبدأت أبحث عن الرقم ثم اكتشفت أن الشبكة بخلت عليّ بتغطية كنت في أمس الحاجة إليها.. ما زلت أرى أنه لا داعي للقلق.. هذه أحد مميزات أن تحمل أكثر من تليفون.. الشبكة الأخرى ربما تتفوق هذه المرة.. تباً.. جزيئات الحديد التي تغلف المصعد نجحت كالعادة في منع الشحنات من الدخول.. ليس هذا وقت التأمل في عبقرية نظرية جاوس الكهربية.. وإن كنت شعرت بالسعادة لأنني أعرف السبب، ولن أضطر للصراخ في أذن أحد مندوبي خدمة العملاء الذي سيشكرني بكل هدوء على اتصالي ثم ينهي المكالمة في ثقة.

بدأت أشعر بالعجز.. وما هو العجز؟.. هو ألا تجد الأدوات التي تمكنك من تحقيق هدفك.. هو ألا تجد الكهرباء التي توصلك إلى شقتك.. فكما أن قليلاً من الملح كفيل بافساد وجبة كاملة.. كذلك فإن بدون هذه التغطية يتحول الموبايل إلى قطعة من الحديد باهظة الثمن.. وبنفس المنطق بدأت أنتبه إلى احتمال أن أموت مختنقاً إذا استمر هذا الانقطاع لبضع ساعات. هكذا تكتسب الأشياء الصغيرة قيمتها التي دائماً نهملها للأسف. كنت مقتنعاً طوال حياتي أنني لن أدخل السجن إلا إذا ارتكبت جريمة ما.. وها أنا أعيش في زنزانة مزودة ببعض الأزرار.

هو بالضبط حبس انفرادي.. بعد أن صدر ضدي حكم لا أعرف سببه بالحبس لمدة لا أعرفها..أدركت وقتها لأول مرة في حياتي كم هو مؤلم شعور السجناء السياسيين الذين يقضون عقوبة لا يعرفون مدتها ولا يفهمون حتى سببها. فقد تحولت في هذه اللحظة إلى سجين سياسي أو بمعنى أدق "سجين كهربائي".

كما انتبهت أيضاً إلى أنه لا توجد خطة محكمة يستطيع أن يضعها انسان مهما بلغت قدراته.. دائماً ستكون هذه الخطة بحاجة إلى بعض التوفيق حتى تنجح، فقدراتنا وحدها لا تكفي بدون مساعدة بعض العوامل الخارجية... الآن أنا أملك العينين ولكنى لا أرى شيئاً.. أملك التليفونات لكنى معزول عن العالم.. جيبي به قدر لا بأس به من المال ولكنه بلا قيمة.

وفي قمة هذه الورطة التي بدت بلا نهاية.. بدأت أرى الجانب المشرق من التجربة وهو في الحقيقة هذه الأفكار التي استلهمتها.. حسناً إذا ما قدّر لي الخروج من هذا المصعد حياً فإن أول ما سأفعله عندما أدخل شقتي أن أكتب كل ما دار في ذهني.

ومن المهم هنا أن أشير إلى تاريخ هذه الواقعة.. كانت في 16 نوفمبر 2010 ويمكنك ملاحظة أن هذا المقال تم نشره بعدها بنحو أربعة أشهر.. وربما يعني ذلك أنني ظللت حبيس المصعد طوال تلك المدة.. أو ربما – وهذا هو الأرجح- أن ترتيب الأوليات عند الانسان وقت الشدة يختلف تماماً عن ترتيبها وقت الرخاء والاطمئنان.. جعلني ذلك أتذكر أنني كنت دائما أقول وأنا "مزنوق" في اللجنة أمام امتحان صعب.. "من بكره هذاكر بجد بقى عشان أعوض".. أو "يا رب ساعدني وإن شاء الله هبقى كويس بعد الامتحان".. بالطبع تعرفون ما الذي يحدث بعدها.

كنت فعلا وبالمعنى الحرفي للكلمة أعيش داخل المصعد معلقاً بين السماء والأرض.. ولكنى اكتشفت أنها صورة مصغرة لحياتي خارجه.. وهذا منطقي جداً فالانسان أصلاً يعيش حياته – وبالمعنى الحرفي للكلمة أيضاً.. بين السماء والأرض.



جروب الفيس بوك

الأربعاء، 2 مارس 2011

اختلاف بدون خلاف


- ابدأ تعليقك ب "هذا رأيي" بدلاً من "هههههه".. وفي النهاية يفضل إضافة "والله أعلم" بدلاً من "افهموا بقى".

- افترض أن رأيك خطأ يحتمل الصواب.. وأن رأي غيرك صواب يحتمل الخطأ.

- افترض أن من يختلف معك ليس غبياً أو عميلاً أو خائناً حتى يثبت العكس.

- حاول أن تكون محترماً.. وفي هذا أنت تحترم نفسك أولاً.

- دائماً أتمنى أن يقنعني الآخر بوجهة نظره.. فهذا يعني أنني تعلمت شيئاً جديداً من نقاشي معه. لا توجد أي إهانة في ذلك.

- من المهم أن ترد على نقاطه بالترتيب وبأسلوب موضوعي.. بمعنى أن ترد بحقائق تؤيد فكرتك ولا تبني الرد على مجرد أشياء عاطفية أو تخمينات أو شائعات.

- اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. فلا داعي لأن تحذفه من قائمة أصدقائك في نهاية الخناقة (المناقشة).

- لا تحاول أن تستخدم مصطلحات معقدة لا يفهمها الشخص الآخر بهدف استعراض المعرفة.. المفترض أنك تحاول أن تتوصل إلى إقناع أو اقتناع.. والاستعراض لا يؤدي إلى أي منهما.

- حاول أن تحافظ على هدوء أعصابك.. فالانسان الغاضب لا يفكر عادة بشكل جيد.

- ركز على نقاط الاتفاق في بداية حديثك وانتقل منها إلى نقاط الاختلاف حتى تحافظ على الأرضية المشتركة.

- منحنا الله القدرة على تغيير آرائنا لكي نصبح أناساً أفضل.. فحاول أن تستفيد بهذه الخاصية.

الثلاثاء، 1 مارس 2011

هل أنا مشهور؟

لا أدري لماذا انطلق هذا السؤال فجأة في ذهني.. كنت جالساً في أحد الكافيهات وحيداً شريداً لا يرافقني إلا اللابتوب الأثير.. وبمجرد أن جلست على المنضدة حتى تساءلت.. هل أنا مشهور؟.. السؤال بطريقة أخرى.. هل من الممكن أن يترك أحدهم مكانه ليصافحني مشيداً بالفرصة النظيفة التي جمعته بي رغم أنه كان على وشك المغادرة؟

عند هذه النقطة تحديداً اقترب الجرسون..

- أهلا وسهلا يا فندم شرفتنا..

- (واضح إنه عرفني.. جرسون مثقف فعلاً) متشكر جداً.. (حاولت أن أزيد شعبيتي بأن أعامله بلطف مبالغ فيه) أنا فعلاً برتاح جداً لما بكون هنا عشان الناس الذوق اللي زيك.

- ميرسي يا فندم.. تحب تشرب إيه؟

- أي حاجة فريش.. ويا ريت لو كوكتيل ويكون فيه "شيء من الخوخ" (ضغطت على حروف الكلمة لأذكره بكتابي الشهير صاحب المبيعات الخيالية التخيلية) أظن عارف ليه؟

- هاهاها.. طبعاً يا فندم طبعاً..

- (ياله من انسان رائع.. ده الواحد كان مقصر في حق نفسه أوي.. المفروض بعد كده ألبس نظارة شمس في الضلمة وأرفع الياقة و.. )

- ومين يقدر ينسى فؤادة وعتريس.. شئ من الخوف ده أعظم فيلم في تاريخ...

- قاطعته في صرامة مفاجئة: خليها قهوة سادة..

ثم انصرف عندما وجد الإحباط يتساقط من وجهي.. ولكن لا بأس فقدَر الكتاب أن تنتشر أفكارهم بينما تظل وجوههم خلف الستار.. تماماً كمذيعي الراديو الذين يحتاجون إلى خبير أصوات لكي يصافحهم في الشارع أو يحاول أن يأخذ معهم صورة تذكارية.

"واضح إن حضرتك مشغول.. بس ممكن أستأذنك في صورة لو سمحت".. اخترقت الجملة أذني ووجدت طريقها بسهولة إلى خلايا مخي الذي قام بدوره بإصدار الإشارات العصبية التي أجبرت رقبتى على الإلتفاف ببطء مثير إلى مصدر الصوت. كانت فتاة في أوائل العشرينات على الأكثر تمسك بكاميرا ديجيتال لا تقل رقة عنها وتبتسم في خجل. أجبتها في تواضع العظماء "تحت أمرك".

بدت على وجهها ملامح البهجة الطفولية.. يا لبساطة المعجبين.. ماذا سيفيدها إلتقاط صورة مع شخص مثلي؟.. لن تستطيع وضعها على الفيسبوك لأن أصدقاءها سيعتقدون أنني خطيبها.. ولن تستطيع أن تتباهى بها أمام عائلتها لأنهم بالتأكيد سيظنون أن بنتهم أصبحت مجنونة تتصور مع كل من يحمل لاب توب ويذهب به إلى كافيه.. ولكن هذه ضريبة الشهرة فيجب أن أحتملها وأمري لله.

"تعالي يا رباب".. إذن فرباب أيضاً تريد أن تتصور معى ولكن لا بأس.. كنت على وشك أن أقول الجملة الشهيرة "بحبكوا والله".. ولكنى فوجئت بالفتاة تضع الكاميرا في يدي وتقف بجوار رباب ثم يبتسمان ابتسامة مبررها المنطقى الوحيد أنهما في انتظار أن أقوم بالتقاط صورة لهما.. وقد كان.

إذن فالتجربة أثبتت أنني لست مشهوراً للأسف.. ولكن لماذا الأسف؟ مرت في ذهني أسماء خمسة من المشاهير فوجدت أنني لا يشرفني أن أكون مثل أي منهم.. وهنا بدأت هذه الجملة المحورية تتكون في عقلي.. تقول الجملة.. "لا توجد أي علاقة بين الشهرة والنجاح.. فليس كل ناجح مشهور.. وليس كل مشهور ناجح".

جملة ركيكة لغوياً فربما كان الأصح أن أقول "أية علاقة" وليس "أي علاقة".. ولكن لاحظ أنني وضعتها بين علامتي تنصيص لكي أغريك بأن تقتبسها وتكتبها ك "status" على الفيسبوك.. وهو ما سوف يجعلني أشعر بسعادة بالغة لأن ذلك سيمنحني مزيداً من الشهرة.. أو لنكن أكثر دقة.. سيمنح الجملة مزيداً من الشهرة.

إذن فبالنسبة للكاتب تصبح الشهرة وسيلة لنشر الأفكار والآراء ولا تصبح هدفاً ذاتياً إلا إذا كان الكاتب يعاني من مشاكل نفسية.. ولكن الغريب أن الناس عادة تتجمع حول الشخص المشهور دون أن تتساءل عن مدى تأثيره في حياتنا.

على سبيل المثال كان نزول محمد عطيه (نجم ستار أكاديمي الذي ربما نسيناه) كان نزوله إلى شارع جامعة الدول كفيلاً بتعطيل المرور في المهندسين كلها.. وفي نفس اللحظة التي يحاول فيها عطيه الهروب من معجبيه ستجد عم محمد الفلاح البسيط يجلس لأيام على الرصيف أمام التأمين الصحي في انتظار ختم على الروشتة يمكنه من صرف علبة دواء على نفقة الدولة.. عم محمد منح مصر على مدى سنوات عمره مئات الأطنان من القمح.. بينما عطيه منحها شرف أن يكون نجم ستار أكاديمي أحد أبنائها.. وهذا ليس ذنب عطيه بالمناسبة.

كما نلاحظ أيضاً أننا نهتم كثيراً بمعرفة آراء الشخص المشهور.. أثناء الثورة التي غيرت معالم الحياة في مصر وجدنا من يتساءل عن رأي عمرو دياب في الموضوع.. وخبر آخر عن غضب جمهور كريم عبدالعزيز لأن كريم لم يوضح موقفه من الثورة (!).. رغم أنك ربما تقرأ آراء عميقة ومهمة للغاية لآخرين لا يهتم أحد بالنظر إليها لأن أصحابها ليسوا من رموز مصر القديمة. وستجد هذا التعليق عليها "إنت مين يا عم إنتا عشان تتكلم عن مبارك".. فرغم أن اسم صاحب المقال يبدو واضحاً وهو ما يجرد السؤال من قيمته، إلا أن السؤال يتجاهل أيضاً حقيقة أن عقل الانسان ليس مرتبطاً بمدى شهرته.. وأن كل المشاهير كانوا يوماً ما بشراً عاديين ولم تتغير عقولهم نتيجة للشهرة.

واستمرت الأفكار تتدفق على ذهني.. لم يقطعها سوى هذا الصوت الوقور الذي سألني في أدب "أستاذ عمر كامل.. صح؟".. أجبته بابتسامة عريضة "صح طبعاً.. حضرتك عرفتني منين؟".. أجابني بابتسامة هادئة وهو يعطيني شيئاً ما.. "بطاقة حضرتك كانت واقعة جنب الكرسي".