على الهامش

نظر لي ثم قال.. "إذا كان العلماء يقولون أن الكون يتمدد يوماً بعد يوم.. فما هو الشيء الذي يتمدد الكون بداخله؟".. فكرت قليلاً ثم قلت.."ربما يكون الكون هو الشيء الوحيد الذي لا حدود له".. رفع حاجبيه في دهشة قائلاً "الشيء الوحيد!!".. عقبت سريعاً "أقصد الكون ولؤم النساء"

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

الوقوع خارج الواقع

هل تشعر بالضيق؟ مكتئب إلى حد ما؟ منطقي جدا أن تشعر بذلك.. نظرة من أعلى على المجتمع المصري ستجعلك تكتشف أن لا أحد يشعر بالسعادة في هذه المنطقة من الكوكب.

الفقراء يشعرون بالضيق لأنهم يؤمنون بأنهم فقراء.. والأغنياء لا يشعرون بالراحة لأنهم يعتقدون أنهم ليسوا أغنياء بما يكفي. الزمالكاوية مخنوقين من ذلك اليوم الذي اخترع فيه الفراعنة كرة القدم ( بالتأكيد الفراعنة اخترعوا كل حاجة ) والأهلاوية لا يشعرون بالسعادة لأنهم يرون أن هناك ما هو أفضل. المسيحيون يشعرون بالإضطهاد من جانب الحكومة لأنهم لا يستطيعون بناء الكنائس والمسلمون أيضا يؤكدون أن كل من يصلي في المسجد بانتظام ويطلق لحيته يصبح من أصدقاء أمن الدولة على الفيس بوك وهو نوع من الاضطهاد.

الرجل لا يشعر بالسعادة لأن التليفزيون ما زال يعرض فيلم بين القصرين فيذكره سي السيد بالعصر الذهبي للرجل.. كذلك المرأة تشعر أن الرجال الحقيقيين انقرضوا منذ زمن وبالتالي أصبح ظل الحائط أو حتى ظل حشائش السافانا أفضل من ظل الرجل بمراحل.

أحزاب المعارضة تشعر بالقهر السياسي والحزب الوطني يشكو من عدم وجود معارضة حقيقية (ربما لأن المعارضة تشعر بالقهر السياسي).. الأب يشكو من سوء سلوك الأبناء وانخفاض مستوى أخلاقهم وبنطلوناتهم.. والأبناء يؤكدون أنهم لا يجدون من يسمعهم أو يخاطبهم وبالتالي انخفضت معنوياتهم وسقطت بنطلوناتهم.

باختصار الطبيعي أن نشعر جميعا بالاكتئاب لسبب أو اثنين أو عشرة من الأسباب السابقة.. ولأنني لا أشعر بالسعادة عندما أكتئب.. قررت أن أستخدم الموهبة السحرية الموجودة داخل كل فرد فينا.. هذه الموهبة هي التي تمنحنا عمرا بجانب العمر.. وحياة بجانب الحياة... إنها موهبة "التخيل".

دعني أحكي لك مثالا توضيحيا بغض النظر عن مدى مصداقيته.. في يوم من الأيام استيقظت صباحا وبمجرد أن فتحت عيني فوجئت بأن ضوء الشمس بدأ يخترق الآفاق، وهو مؤشر خطير يدل على أنني تأخرت كثيرا عن ميعاد العمل.

في خلال أربع دقائق كنت أركض في الشارع ثم توقفت فجأة عندما فوجئت بأن سيارتي محاصرة بواسطة سيارة ترقد في برود شديد وترفض كل محاولاتي لزحزحتها.. قوى الشر الخفية أحكمت المؤامرة تماما هذه المرة وبالتالي لم يعد أمامي مفر من أن أصل متأخرا.

بمجرد أن وصلت وجدت نظرات الجميع تتجه لي وسط صمت سيطر فجأة على الجميع.. تشعر حينها أنك أصبحت محور العالم وتتمنى في الوقت نفسه أن يتبخر كل ما حولك أو أن تختفي بلا عودة. دخلت مكتبي في صمت وبمجرد أن أغلقت الباب جاءني أحدهم ليخبرني بأجمل جملة من كلمتين يمكن تكوينها في اللغة العربية... "المدير عايزك".

كنت أتمنى أن أظل أدق الباب بلا نهاية ولكني اكتفيت بثلاث دقات كلاسيكية ثم دخلت لأشاهد الفقرة الأسوأ من اليوم.. وجدت بالداخل شخصا يحاول أن يختبر الحد الأقصى من قدرات أحباله الصوتية أمامي.. بدأت أشعر بالتوتر.. وهنا.. تحديدا في هذه اللحظة.. اتخذت القرار السحري الجميل وهو أن.. " أتخيل ".

تخيلت في هذه اللحظة أنني أمثل دور موظف تأخر عن عمله.. وتخيلت أيضا أن ذلك الشخص الغاضب يمثل ببراعة دور مدير شديد الصرامة.. الموضوع ليس صعبا ولكنه يحتاج قدرا كبيرا من التوحد مع النفس.. لا أفهم معنى الجملة السابقة بدقة ولكني شعرت أنه التعبير المناسب عن حالة السيطرة الكاملة على الأفكار والمشاعر. وبمجرد أن تندمج في الشخصية لن تشعر بأي صعوبات نفسية.. والأروع أن كل شئ سينتهي بمجرد أن ينتهي المشهد.

بالطبع لا داعي من تكرار نفس العبارات السلبية التي تؤكد أننا نعيش في تمثيلية كبيرة بالفعل.. فيها المواطن يمثل أنه يعمل والحكومة تمثل أنها تعطيه مرتبا.. المدرس يمثل أنه يشرح والطالب يمثل أنه يفهم.. صديقك يمثل أنه يضحك في وجهك ثم يطعنك في ظهرك.. وعبارات أخرى كثيرة ملخصها أنه مفيش صاحب بيتصاحب والله يرحمك يا رجولة وكوز المحبة اتخرم عايزله بنطة لحام.

هذه الطريقة من التفكير سلبية بشدة.. هي تجعلك ساخطا على العالم الذي تعيشه بدلا من أن تتعلم كيف توظف قدراتك المدهشة من أجل أن تحصل على قدر أكبر من السعادة، أو بمعنى أدق لكي تتجنب مزيدا من الكآبة.. إذا كنت تعيش في تمثيلية فلماذا تشعر بالحزن وأنت فقط تؤدي دورك.. وإذا كان كل من حولنا ممثلين فلماذا نغضب منهم. التحدي الوحيد هو أن استخدام خاصية التخيل بكثرة ربما يجعلك تعتاد الهروب من الواقع، ويجعل الحياة مجردة من أهم ما فيها وهو الشعور بالمسئولية.

وعند الشعور بالمسئولية ينتهي المقال.. ولكن لحظة من فضلك عزيزي القارئ.. لا تسمح للكاتب بأن يستخدم أساليبه الملتوية في إقناعك بفوائد الوقوع خارج الواقع.. فالجملة التي أنهى بها مقاله جعلته هو شخصيا يفشل في اقناع نفسه بها.

السبت، 11 سبتمبر 2010

وحدي في المنزل

أن تقضي يومين متتاليين وحيدا شريدا هائما نائما في منزلك.. تجربة لا يجب أن تمضي دون أن تحاول توثيقها بشكل أو بآخر..

تعلمت من هذه التجربة أن المثالية مملة إلى أبعد الحدود.. أحيانا تشعر أنك في حاجة إلى خناقة ما.. مشكلة ما.. أحبالك الصوتية في حاجة إلى بعض التليين حتي لا تتحجر.. نظرت حولى فلم أجد شيئا أستفزه.. المروحة تعمل في استسلام دون أن تشعر لحظة بالدوار ولا يبدو أنها ستعترض ولو حتى بعد ألف عام من الدوران. البيت كله أصبح في حالة يرثى لها دون أن أجد أي همسة اعتراض.. لا أدري لماذا عندما شعرت بأني "مقريف" وعايز ألاقي حد يتخانق معايا ويغلس عليا.. فكرت فورا في الزواج.. ثم استعذت بالله من الشيطان الرجيم.

عندما تجلس وحيدا تشعر أن كل ما حولك يستفزك لكي تفكر.. أكياس الدليفري جعلتني ألاحظ أن مؤمن لونه أزرق بينما كوك دور أحمر.. مباريات الدوري الانجليزي جعلتني أنتبه أيضا إلى أن تشيلسي يرتدي الأزرق بينما يرتدي مانشستر الأحمر.. حنفية الماء البارد بلونها الأزرق لفتت نظري إلى أن الحنفية الساخنة لونها أحمر.. وقتها فقط فهمت لماذا اختار الحزب الوطني اللون الأخضر.. ربما لأنه يعرف مسبقا أنه لو كان اختار الأزرق مثلا.. كانت كل الأحزاب ستتجنب اختيار الأحمر كنوع من الاحترام.

تجعلك التجربة تدرك أهمية الجيران.. فجارك الذي أمامك يستطيع أن يعزمك على غداء يوفر لك مشقة الفشل في تحضير طعام لن تستطيع أن تتذوقه في النهاية.. وجارك السفلي يمثل لك العمق الاستراتيجي.. فهو القادر على أن يقطع عنك المياه في أي وقت.. ومن الذكاء أن تعمق علاقتك معه بدلا من استراتيجية "اقفلوا المياه يا بهايم" التي تستند على حقوق تاريخية عفى عليها الزمن.. تحتاج دائما إلى ذلك الجار الذي تستطيع أن تترك له مفتاح الشقة حتى يتدخل عندما يشم رائحة الغاز تصدر منها.. دون أن تخشى أن يسرق منها شئ عندما تكون منشغلا في خناقتك مع جارك السفلي.

البعد عن الاجتماعيات جعلني أفكر في أشياء لم أفكر فيها من قبل.. ما هو الشعور بالغربة؟ لماذا يعاني منها من يعيش خارج الوطن حتى أنها أحيانا تدفعه للعودة؟ وما هي حدود الوطن؟ إذا كان الوطن هو المكان الذي نملكه فأنا أملك هذه الشقة.. وإذا كان هو المكان الذي أنتمي إليه فأنا أنتمي إلى هذا البلد.. ولماذا أدعي أنني أمتلك هذه الشقة؟ هل لمجرد أنها "تمليك"؟ ولماذا أدعي أنني أنتمي إلى هذا البلد؟ أنا مسلم قاهري مصري عربي أفريقي بشري. عند أي حد أخرج عن إطار الوطن؟

أتصفح صفحات الانترنت بنفس معدل استنشاق الهواء.. ولا تجذبني الأخبار أو المقالات كما تفعل تعليقات القراء.. لا أعرف لماذا يصر كل من يحاول أن يعرض وجهة نظره أن يختم تعليقه بجملة "افهموا بقى" بدلا من "هذا رأيي والله أعلم".. ولماذا يستخدم جمهور الأهلي لفظ "زبالك" رغم أنه يعرف جيدا أن جمهور الزمالك سيصفه بأنه "جهلاوي".. لم يعد الموضوع مثيرا أو مدهشا.

أتأمل كيف يسب المصريون أولياء الأمر.. وكيف يختلف العضو مودي التموري مع العضو برنس طنطا على الصراع بين تامر وحماقي وأيهما أحق بخلافة الهضبة.

وحدي في المنزل كنت أجلس عندما قرأت خبرا عن العودة للتوقيت الصيفي.. الساعة كانت منذ دقيقة الواحدة تماما والآن أصبحت الثانية.. قمت بجولة على كل ساعات المنزل لأعيد ضبطها.. ثم شعرت أن الوقت أحيانا يمضي بأسرع مما نستطيع أن نستوعب.. أحيانا تعجز عن الرقص على الإيقاع إذا أصبح سريعا جدا.. أو إذا تقدم بك العمر وتخلت عنك صحتك.

ولأنني أجلس وحدي في المنزل فلم أجد أحدا يقرأ ما كتبته.. لن أعرف هل ما زلت قادرا على أن أقنع أحدا بقراءة شئ كتبته حتى النهاية أم لا.. ولكن لا بأس من المحاولة..