على الهامش

نظر لي ثم قال.. "إذا كان العلماء يقولون أن الكون يتمدد يوماً بعد يوم.. فما هو الشيء الذي يتمدد الكون بداخله؟".. فكرت قليلاً ثم قلت.."ربما يكون الكون هو الشيء الوحيد الذي لا حدود له".. رفع حاجبيه في دهشة قائلاً "الشيء الوحيد!!".. عقبت سريعاً "أقصد الكون ولؤم النساء"

الجمعة، 6 يوليو 2012

الست لمّا..

 يقول الشاعر الجاهلي:
 
الست لمّا.. لمّا لمّا
الست لمّا.. لمّا لمّا

من أبرز مواطن الجمال في القصيدة استخدام الشاعر للإيجاز بحذف معظم أركان الجملة.. نلاحظ أيضاً أنه يتحدث عن المرأة وربما كان يريد قول شيء ما ولكن الإيجاز يوحي بخوفه من عواقب التعبير عما بداخله.. تستطيع أن تتخيل أنه تذكر زوجته وهو على وشك إكمال الجملة.. وتذكر مصيره لو لم يعجبها رأيه.. فاكتفى بالإيجاز والإنجاز.

إذن فهو الخوف من المرأة.. وبعيداً عن هذا الشاعر فإنه لا يوجد عاقل يستطيع أن ينكر أن أتخن الرجال يخافون من المرأة.. ربما يخافون من جرح مشاعرها.. أو من كراهيتها.. انتقامها.. تتغير الدوافع ولكن تبقى النتيجة واحدة.. المرأة كائن قوي في هذا الكوكب إن لم يكن الأقوى.. هي تستخدم القوة الناعمة كما يقول الخبراء الاستراتيجيون.

السؤال الآن.. لو كانت المرأة بهذه القوة فلماذا نقرأ دائماً عن محاولات تحرر المرأة؟ ولماذا نسمع عن رواد أفنوا حياتهم حتى تحصل المرأة على حقوقها؟

سؤال استباقي.. ما هي أصلاً حقوق المرأة ؟ اعتقادي الرائع أنه أصلاً لا وجود لشيء اسمه حقوق المرأة.. الأصل أنه يوجد ما يسمى بحقوق الانسان ويستوى فيها الرجل والمرأة، أما أن توجد حقوق للمرأة فهذا في حد ذاته نوع من العنصرية لأنه تقسيم للبشر على أساس الجنس.

سيبك من هذا التنظير.. كلنا نعرف أن المرأة كانت محرومة من حق العمل والتعليم والتمثيل البرلماني والمساواة مع الرجل في أمور كثيرة.. وبالتالي فعندما نتحدث عن حقوق المرأة فنحن نقصد حقها في المساواة مع الرجل. مش كده؟

ماشي.. أستطيع أن أضيف أيضاً أن المرأة برغم قوتها مظلومة.. فالرجل يستطيع أن يدخن السجائر والشيشة وربما يتعاطى المخدرات فيتفهم المجتمع أسبابه لذلك.. يلومه لكن بقدر.. بينما يبدو مشهد المرأة المدخنة ملفتاً ومثيراً للامتعاض.. لماذا؟ لا أعرف

الرجل منحه المجتمع مساحة لتقبل الأخطاء لم يمنحها للمرأة.. فالرجل يستطيع أن يتشاجر وتخرج منه أروع الشتائم وأكثرها ابتكاراً فنجد الكل يحاول تهدئته، بينما المرأة إذا قامت بنفس الأفعال المشينة يشمئز منها الجميع.. كلاهما مخطئ ولكن لا يتعرض كلاهما لنفس رد الفعل.. لماذا؟ لا أعرف

إذن المرأة برغم أنها قوية مسيطرة متحكمة ولكن نفوذها لا يخرج من باب بيتها.. إرادة الزوجة تستطيع أن تتحكم في كل شؤون الأسرة وليس هذا لضعف الزوج ولكن كما يقولون "كله بالحب".. هي تحدد الطريقة المناسبة للسيطرة وتستخدمها ببراعة سواء كانت سيطرة بالعنف أو الترهيب أو النكد أو الاستضعاف.. "كله بالطريقة" إذا جاز التعبير

ولذلك كان كفاح المرأة المبهر لكي تحصل على حريتها خارج إطار المنزل.. فماذا كانت النتيجة؟

حصلت المرأة على حقها في العمل:

إنجاز رائع.. الملفت أنك لا تستطيع أن تحدد من الذي منح المرأة هذا الحق.. لم يصدر مثلاً قانون أو قرار جعل المرأة تخرج للعمل.. وليس هذا غريباً لأن المرأة أصلاً كانت تعمل قبل أن يأتي قاسم أمين وهدى شعراوي وزكي جمعه (؟) البعض افترض جدلاً أن عمل المرأة معناه أن تكون موظفة في شركة تتقاضى مرتباً آخر الشهر وأي شيء غير ذلك لا يعتبر عملاً، وتجاهل هؤلاء أن هذا النوع من العمل هو الأقرب للعبودية.

يقول ماركس "العبد البروليتاري مجبر على ذلك يومياً وكل ساعة، هو ملك الطبقة البرجوازية بأكملها، وهي الطبقة التي تشتري عمله فقط إذا كان أحد أفرادها يحتاجه"

وإذا كنت مثلي لم تفهم شيئاً مما قاله ماركس فهناك فتيات لويل ميل اللاتي كانوا يعملن في أحد مصانع النسيج في أمريكا، ثم شعروا بالتشابه بين عبودية الأجر والرق فقالوا في أغنية يبدو أنها شهيرة
"أليس من المحزن، أن ترسل فتاة جميلة مثلي إلى المصنع
لا أستطيع أن أكون أمَة، ولن أكون أمَة
لأنني أعشق الحرية"

فالمرأة عندنا منذ عصر الفراعنة كانت تعمل في أعمال تحفظ لها حريتها وكرامتها وتمنحها فرصتها في القيام بدورها كمربية أجيال تصنع مستقبل الأمم، ثم ناضلت لكي تحصل على حقها (الذي لم يحرمها منه أحد) في العمل كموظفة، ثم خرج كل هذا تحت عنوان "حق المرأة في العمل".

ثم حصلت المرأة المصرية على كوتة في البرلمان:

مقاعد محجوزة للمرأة لكي تضمن أن يكون لها دور في التشريع. وتم اعتبار هذا إضافة تاريخية لحقوق المرأة رغم أنه لم يكن يوجد نص أو قانون أو قرار يمنع المرأة من الترشح للبرلمان، تماماً كما لم يكن هناك ما يمنعها من العمل.

لم يكن هناك ما يمنع أن يكون البرلمان كله من السيدات.. ولكن بهذه الكوتة أصبح هناك ما يمنع أن يكون البرلمان كله من الرجال.. أتساءل.. أليس من المفترض أن يطالب الرجال بالمساواة مع النساء في هذه الحالة؟

وحتى أكون منصفاً يجب أن أقول أن المرأة كانت في مراحل كثيرة محرومة من حق التعليم.. أنا شخصياً لم أسمع عن عالمة مصرية (عالمة نسبة إلى العلم) في أي مرحلة من مراحل التاريخ.. صحيح أنها حصلت الآن على حقها في التعليم وبرضو مفيش فايدة ولكن ليست هذه هي المشكلة، فحرمان المرأة من التعليم كان بسبب نظرة استعلائية من الرجل الذي كان يعتقد أنه الوحيد الذي يستحق أن يعرف.

المرأة الآن في هذه اللحظة لم تحصل على كل حقوقها .. هذا هو الواقع.. ولكنها لا تعرف بوضوح ما هي الحقوق التي تنقصها.. هذا هو الواقع.

الأحد، 8 أبريل 2012

في وداع العسكرية.. خاطرة ودعاء وتحية قبل الانصراف..

يقضى الانسان عمره في حالة انتظار.. دائماً نكون في انتظار شيء ما.. شخص ما.. حدث ما.. وكنت أعيش لمدة ثلاث سنوات في انتظار هذا اليوم.. أما وقد أتت اللحظة المشهودة بعد طول انتظار.. فإن عدم توثيقها يصبح اهداراً لفرصة لا تأتي في عمر الانسان مرتين.. بالتأكيد سيكون حديثاً في شأن شخصي، قد لا يكون ممتعاً أو مهماً ولكن التجربة بها ما أراه يخرج بها من حدود الخاص إلى العام..

فلاش باك..

اتخرجت.. أخيراً جاءت اللحظة التي انتظرتها لمدة خمس سنوات أمضيتها في كلية الهندسة.. أتذكر شعورى عندما خرجت من باب الكلية في آخر يوم.. كنت – مع الفارق – كمسجون خرج لتوّه من باب السجن.. ينظر أمامه ولا ينظر خلفه إطلاقاً.. المستقبل يبدو مشرقاً والأحلام لا سقف لها، وذلك الشاب الذي يعرف الكثير ويؤمن بالكثير وينوي فعل الكثير والكثير قد أصبح جاهزاً لكتابة الفصل الأول .. استعد أيها الكوكب.. لقد حدث شيء كبير.. أنا اتخرجت..

أتذكر كيف كنت أفكر في الطريقة التي سأعيش بها حياتي.. لا يمكن أن تضع خطة لحياتك لأنك لا تعرف كل المعطيات ولا تمتلك كل الأدوات.. كما أنه في أغلب الأوقات تكون تصرفاتنا عبارة عن ردود أفعال لأشياء لا يمكن التنبؤ بها.. إذن فلن أخطط لحياتي ولكنني سأحدد على الأقل هدفي منها.. سأحدد المكان الذي أريد أن أصل إليه وأترك تحديد الطريق.. سأتخيل الصورة النهائية وأترك اختيار الألوان لاعتبارات الممكن والمقبول والمتاح.. وقد كان..

لم يكن يتبقى إلا بعض الإجراءات الروتينية للحصول على تأجيل الخدمة العسكرية.. الكل يؤكد أن تخصصي ليس مطلوباً للتجنيد فلا داعى للقلق.. مررت بكل الإجراءات المطلوبة.. ثم فجأة وفي لحظة سيريالية مدهشة توقف فيها الزمن وصمتت فيها الطيور وتوارى فيها ضوء الشمس خلف سحابة قاتمة.. وجدت أنني الوحيد من كل زملائي الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم الذي كان مقدوراً له أن يتجند  في صفوف الجيش المصري.. سنة؟ لأ.. تلاتة..

قليلة.. عميقة.. صامتة.. هكذا تكون اللحظات التي تتغير فيها حياتك.. تلك اللحظات التي تجد فيها خريطة حياتك تتحدد باعتبارات خارجة تماماً عن سيطرتك.. لحظة كتلك التي تعرف فيها اسم الكلية التي ستحدد مستقبلك المهنى والوظيفي.. أو كتلك التي قالت لك فيها أنها "موافقة تتجوزك".. لحظات تتحدد فيها ملامح العمر وليس لنا فيها إلا أن ننتظر لنرى كيف يخبرنا القدر بما هو مقدور.. وكانت لحظة التجنيد إحدى تلك اللحظات.

كنت أجلس صامتاً بعد أن انصرف زملائي.. كنت بمنتهى الصدق لا أفهم ما أشعر به باستثناء المفاجأة.. نظرت بجوارى فوجدت شاباً يبكي بحرقة.. بالتأكيد لديه أسبابه وبالتأكيد ليس من ضمنها كرهه للجهاد.. زملائي انصرفوا وهم يواسونني وبالتالي يجب أن أكون حزيناً ولكنى ما زلت أشعر بعدم الفهم.. عدت وأنا أفكر فيما جرى وسيجري فكانت الكلمة التي أسمعها طوال الوقت من كل الناس.. "هتضيع من عمرك 3 سنين".. ثم يبدأ فاصل من المواساة.

هل فعلاً سأضيع من عمرى 3 سنين؟.. كان هذا هو السؤال وكانت إجابتي في حدود فهمي وإدراكي.. لا.. أنا لا أستطيع أن أضيع شيئاً لا أتحكم فيه ولا أملك من أمره شيئاً.. مثلاً لا أستطيع أن أضيع هذا القلم قبل أن أمسكه بيدي أو أن يكون ملكاً لي.. كيف أضيع من عمرى وأنا لا أملك منه شيئاً !!.. هل كنت سأعيش 60 عاماً والآن سأعيش منها 57 فقط كمواطن حر.. أنا لا أضمن إن كنت خرجت مع من خرج من زملائي أن تصدمني سيارة فينتهي عمري حينها رغم أني لم أدخل الجيش.. ولكني اقتنعت وقتها أن عمر الانسان يضيع في كل لحظة يعيشها في معصية تبعده عن الهدف الأصلي من وجوده.. ولا يمكن أن يضيع بغير هذا.

كانت أياماً عصيبة تلك التي تسبق الرحيل.. كنت ذاهباً لمكان لا أعرفه لأقضى مدة لا أعرفها ولذلك كنت أشعر بمنتهى الحيرة وأنا أجهز حقيبة السفر.. استيقظت فجراً قبل الجميع حتى أسافر في هدوء.. استيقظت أمي لسبب ما وسمعتها تبكي وأنا أغلق باب المنزل.. كنت في حاجة إلى الإيمان بالله وبقضائه حتى أهون الأمر فأنا لست الأول ولن أكون الأخير..

ومرت الأيام والسنون.. تعلمت فيها أشياء لا يستطيع انسان أن يتعلمها في مكان آخر.. لا أدعى بطولة من أي نوع لأني كنت مجبراً بطريقة أو بأخرى على أن أكون في هذا المكان.. ولكن ما أستحق أن أفخر به أنني لم أكن مجبراً على كل شيء فعلته طوال تلك المدة.. كنت قد قررت أن أستغل الفرصة السحرية التي تجد فيها الظروف تجبرك على فعل شيء عظيم.. كما كان الصول يقول لنا في الأيام الأولى "إن جالك الغصب.. إعمله بمزاج".. هل هناك ما هو أفضل؟

 قمت بأشياء جيدة طوال تلك الفترة.. لم يكن ذلك طمعاً في مكافأة فذلك أصلاً غير وارد.. ولكنه كان بحثاً عن شعور بالرضا عن الذات يساوي الكثير لمن يعرفه.. وكان أملاً في أن يكون ذلك سبباً في خير قد تحمله لي الأيام في المستقبل.. أفكر أحياناً أنني من جيل الثورة الذي شاهد الدبابات تسير في جامعة الدول وشارع الهرم ويحتفظ كل شاب فيه بصورة مع الدبابة.. أحاول أن أتخيل لو سألني أولادي مثلاً "إنت نزلت مع الناس يوم جمعة الغضب؟".. أو "إنت ليه مش متصور مع الدبابة؟".. لا أعرف بالتأكيد كيف تكون الإجابة.. أنا أصلاً لا أعرف هل كنت سأملك الشجاعة للنزول أم لا لو كنت من المدنيين.. وربما كان وجودي في الزي العسكري يومها هو ما منحنى فرصة أن أكون جزءاً من هذا المشهد التاريخي العظيم..

كنت كغيري أترقب اليوم الذي تنتهي فيه مدة الخدمة.. ولكنه عندما جاء لم أشعر أبداً بالبهجة أو السعادة بالشكل الذي كنت أتخيله.. تعلمت من هذا أن الفرحة الحقيقية لا تأتي إلا بعد إنجاز يجتهد الانسان لتحقيقه.. أما مرور الأيام فإنه سنة كونية ليس لنا فيها دور وبالتالي لا يوجد مبرر للسعادة بشيء كان حدوثه مسألة وقت.. طال أو قصر.. هو مجرد وقت..

اللهم تقبل..

الاثنين، 12 مارس 2012

مارلبورو أحمر

هاتطلبوا دلوقتي ولّا كمان شوية؟ كان ذلك هو التساؤل الذي وجهه لنا القهوجي في عصبية غير مبررة.. قال له صديقي في براءة: عندك إيه ساقع؟.. رد بدون تفكير عندي عناب.. عندي ليمون.. عندي زبادي.. عندي جوافه.. عندي موز..

سألته طب عندك إيه سخن؟.. رد في ملل عندي شاي.. عندي نسكافيه.. عندي كاكاو.. عندي سحلب.. عندي ينسون

لم أكن أفهم الحكمة وراء إصراره على تكرار كلمة عندي قبل كل صنف ولكني لم أكن متأكداً من مدى تقبله لفكرة أن أسأله عن شيء كهذا. فضلت أن أختصر الحوار فطلبت كوبين من الشاي

قال صديقي في شرود: نفسي أتجوز بقى عشان أبطل أعد عالقهاوي.. أكيد ساعتها مش هيهون عليا أعد على قهوة وأسيب مراتي قاعدة لوحدها في البيت تكلم الحيطان

قلت له متسائلاً: طب وليه تعسف نفسك وتحس بالذنب كده؟.. ما بلاش تتجوز من الأصل

رد وكأنه لم يسمعني: المشكلة إنك تلاقيها بس
قلت له:  بيقولوا البنات على قفا من يشيل
لوح بيده قائلاً: بس لما تيجي تشيل.. بتاخد على قفاك فعلاً

في هذه اللحظة جاء القهوجي ومعه الشاي فالتزمنا الصمت احتراماً لجلال اللحظة.. ثم انصرف فقال صديقي وهو يضع السكر في الشاي.. عارف الجواز ده زي إيه؟ زي شرب السجاير.. بيبدأ بكلمة عايز أجرب ويخلص ب ياريتني.. تشوف كل اللي حواليك بيشربوا فتحس إنك لازم تشرب وإلا تبقى مجنون.. بتحب تدفع أكتر وانت مش واخد بالك إنك كل اللي بتعمله إنك بتزود على قايمة خسايرك خساير مادية كمان.. زي اللي بيبقى مبسوط أوي وهو بيشرب مارلبورو أحمر مع إن العلبة تمنها يقطم الضهر وهي أصلاً سجاير.. يعني بتبوظك ومضرة جداً للصحة
سعل مرتين ثم أضاف: وبتسبب الوفاة

لم أجد تعليقاً يعبر عن مدى اعتراضي على كلامه فاكتفيت بأن سألته: إنت مقتنع باللي بتقوله ده؟

أخذ رشفة من كوب الشاي ثم رد بهدوء: بص يا ريس.. أنا هقولك الكلام ده بعد ما الدنيا خدت منى كتير.. الانسان بيحب الحاجات اللي بتضره بالظبط زي الحاجات اللي بتفيده ويمكن أكتر كمان.. اتفرج على نفسك كده لمدة يوم كامل، هتلاقي إن أكتر من نص وقتك بيضيع في حاجات مالهاش أي لازمة

قاطعته قائلاً: عندك حق بدليل إني قاعد معاك دلوقتي

هز رأسه موافقة ثم استطرد: مع إن قدامك تعمل حاجات مفيدة وممكن تكون سهلة وبسيطة.. بس المشكلة إن الحاجات دي بتبقى غالباً خنيقة.. ماتهزش دماغك ما أنا عارف.. وزي فكرة المارلبورو برضو.. بتحب تدفع أكتر مع إنك أصلاً بتعمل حاجة مالهاش أي لازمة

شايف كل اللي حواليك دول.. كلهم بيشربوا مارلبورو حتى لو مش بيدخنوا أصلاً.. ماتستغربش.. كل واحد منهم لو معاه فلوس هيروح يقعد في أغلى كافيه مع إنه أصلاً بيهلك وقت.. لو معاه فلوس هيروح يصيف في أغلى مكان في مصر، مع إن الأماكن دي غالباً لازم تمشي فيها وانت مغمض عينيك الاتنين عشان غض البصر مش هينفعك.. خلاص بلاش دي أنا عارفك ليبرالي فاجر.. الجواز برضو نفس الحوار.. إنت بتخسر حاجات كتير ورغم إن إنت عارف كده كويس تلاقي نفسك بتعمل فرح ب 40 ألف.. بذمتك دي جملة منطقية؟ إزاي فرح و ب 40 ألف.. ما هو لو دفعت 40 ألف في ليلة أكيد الفرح هيبقى ملوش وجود في مشاعري.. بس تقول إيه بقى

سألته يعني عايز تقنعني إنك مش عايز تتجوز؟

مرت ثوان من الصمت.. أخرج من جيبه علبة سجائر مارلبورو.. أشعل سيجارة ونفث دخانها قائلاً في شرود: الانسان ضعيف مفيش كلام


·        من كتاب مذكرات واحد صاحبي.. قريباً

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

مقال تحت تأثير الترامادول

شعرت فجأة أن دماغي بتاكلني وإني عايز حاجة بس مش عارف إيه هي.. جت في دماغي فكرة خطيرة وهي أن أضرب ترامادول.. لا أعرف تحديداً ما هو الترامادول ولا أين يمكن أن أجده ، فذهبت لأحد أصدقائي وطلبت منه قرصين.. لحسن الحظ كان صديقي أحد أعضاء ائتلاف شباب الثورة فأخرج من جيبه تشكيلة متنوعة من الحبوب.. أفرغ في يدي مجموعة أقراص وقال لي في ثقة "اضرب دول وهتلاقي نفسك شايف دنيا تانية"

شعرت بتردد للحظات ولكني تذكرت كيف يدفع الترامادول هؤلاء الشباب للتظاهر بشجاعة وتحمل الغازات الخانقة لساعات طويلة.. وأدركت أن فيه قوة خفية سوف تجعلني بلا شك أرى تلك الدنيا الثانية التي تفجر طاقاتهم.. أحضرت ورقة وقلماً لتسجيل الحدث.. نظرت إلى الحبوب في توتر.. ثم ابتلعتها قبل أن أغير رأيي وجلست منتظراً.. ثم بدأت الكتابة

أرى الآن مشاهد متفرقة.. جنود.. قنابل مسيلة للدموع.. دموع.. دماء.. الكتاتني.. أسمع صوتاً يرن صداه في أذني وهو يقول في تكرار قاتل "اجلس.. اجلس.. اجلس".. شاهدت البرادعي وهو يجمع التوقيعات لتغيير الدستور.. وسمعت صوت التصفيق هادراً بعد أن قال شخص ما جملة كانت "العميل" إحدى كلماتها..

تمر أمام عيني الآن مشاهد لنفس الشوارع التي عشت فيها.. أرى هؤلاء الحراس الضخام الذين كانوا يقفون أمام منزل وزير الداخلية في شارع لبنان.. أرى كذلك شارع جامعة الدول وقد امتلأ بقطع الحجارة التي يتراشق بها الشباب مع رجال الأمن.. الغازات الكثيفة تحجب الرؤية فلا أستطيع التمييز هل هذا شارع طلعت حرب أم قصر النيل.. ولكني أعتقد أنني لمحت وجه أحد الضباط وكان شبيهاً جداً بذلك الذي كان يقف بجوار منزل العادلي..

حاولت أن أتفادى رؤية كل هذا فوجدت أمامي فصلاً مدرسياً متهالكاً.. يدخل المدرس الفصل وهو يعتبر أن قمة نجاحه الوظيفي يكمن في منع التلاميذ من الكلام رغم أنهم يطيعونه خوفاً من تلك العصا الغليظة التي يلوح بها في وجوههم.. لم يكن المدرس يشرح للتلاميذ شيئاً.. أراه يكتب شيئاً ما على السبورة في صمت ثم يلتفت مطلقاً نظرات مرعبة صامتة كلما سمع همساً في الفصل.. ثم جلس يدخن سيجارة وهو يعبث في تليفونه.. لفت نظري أن أحد التلاميذ الذين رأيتهم في الفصل كان يمسك حجراً في المظاهرة يلقيه بكل قوة وهو يهتف بأعلى صوت.. أشاهد الآن مذيعاً تليفزيونياً يهز رأسه في موافقة بينما أسمع صوتاً قادماً من اتصال تليفوني يتساءل "إيه اللي ودّاهم هناك؟"

ما هذا؟ هل الترامادول قوي إلى تلك الدرجة؟ أرى الآن جنوداً يقتحمون المسجد الأقصى.. وأسمع ذلك الصوت السخيف يتردد في ذهني مجدداً "اجلس.. اجلس.. اجلس".. أشاهد في لمحات عابرة مانشيتات الصحف فأجدها خالية من أي تعليق على الخبر.. أرى كلمات لا أفهمها.. حمار.. مزايدات.. توافقي.. طرة.. وأرى بعض الناس يبدو عليهم الغضب الشديد وهم يكتبون شيئاً ما على فيسبوك.. أرى صور بعض الشيوخ.. ما الذي جعل صور الشيوخ تنتشر على فيسبوك بعد أن كان ممتلئاً بصور المطربين.. رغم ذلك لا أرى مزيداً من الإيمان أو التقوى.. بل مزيداً من البذاءة.. هل هو تأثير الترامادول؟ ربما..

أقرأ الآن خبراً قديماً يتحدث عن نقل صلاحيات رئيس الجمهورية للجنزوري.. وأقرأ خبراً حديثاً عن قرار للمجلس العسكري بالتجديد لمفتي الجمهورية.. وأحاول أن أبحث عن أي شخص يندهش أويعترض فأجد بالفعل الكثيرين يعترضون على غلق المواقع الإباحية.. ثم بدأت الغشاوة تنقشع من أمام عيني تدريجياً.. فقرأت تقارير عن ضرورة توفير العملة الصعبة تحسباً لقطع المعونة الأمريكية.. ثم اكتشفت فجأة أن مدرب المنتخب أمريكي الجنسية.. يقبض مرتبه بالعملة الصعبة.. ولا يبدو أنه يقوم بعمل معقد باستثناء التدريب استعداداً لمباريات ودية تقوم الداخلية بإلغائها

زال مفعول الترامادول من عقلي بشكل مؤقت.. فأدركت أنه انتقل إلى عقول الأغلبية العظمى بشكل مستمر ولكن دون أن نشعر