على الهامش

نظر لي ثم قال.. "إذا كان العلماء يقولون أن الكون يتمدد يوماً بعد يوم.. فما هو الشيء الذي يتمدد الكون بداخله؟".. فكرت قليلاً ثم قلت.."ربما يكون الكون هو الشيء الوحيد الذي لا حدود له".. رفع حاجبيه في دهشة قائلاً "الشيء الوحيد!!".. عقبت سريعاً "أقصد الكون ولؤم النساء"

الخميس، 4 أغسطس 2011

عزيزي رمضان

أكتب إليك هذه الرسالة ولياقتي الذهنية ليست في أفضل حالاتها.. تستطيع أن تستنتج أن الصيام هو السبب فلا تؤاخذني إذا بدر منى ما قد يعكر صفو علاقتنا.

أما بعد..

فأنا أشعر أنك لست رمضان الذي أعرفه.. لست متأكداً هل أنا الذي تغيرت أم أنت.. تعرف أننا تغيرنا كثيراً وأصبحنا مصريين سوبر.. قمنا بثورة عظيمة وخلعنا الرئيس وأعوانه وأسقطنا النظام.. بالطبع الفوضى هي عكس النظام ولكن لا تقلق فنحن لم نعان من الفوضى ربع معاناتنا من النظام.

ولكني رغم كل ذلك لست متأكداً أننا تغيرنا بالفعل.. أستطيع أن أفهم أن يتصرف الانسان بشجاعة للحظات.. أوأن يتصرف بشهامة لأيام.. أو أن يشعر بالوطنية لأسابيع.. ولكني أجد الهاجس يخترق فرحتى بكل ما حدث ويصرخ في أذني بأن هذا التغيير كان نابعاً من دوافع معينة.. بغيابها قد يغيب التغيير.

أطرد هذه الأفكار من ذهنى بمجرد دخولها وأقول أننا تغيرنا ولا يمكن أن نعود لما كنا عليه لأننا ببساطة نعرف المصير الذي ينتظرنا إذا لم نتمسك بما وصلنا إليه.. نعرفه لأننا عشنا فيه وشعرنا بمرارته في حلوقنا جميعاً.

ربما يكون هذا التغيير هو الذي جعلني أشعر أنك لست رمضان الذي أعرفه.. في الماضي كنت طفلاً ينتظرك من العام إلى العام ليستمتع بتلك الأجواء الروحانية التي كانت تسيطر على حياتنا.. كنت تعني لي وأنا الطفل الصغير شهراً يجعلني أقرب إلى المثالية.. كنت أجد نفسي غير قادر على ارتكاب الأخطاء احتراماً لوجودك.. وكانت حياتي تسير بصورة طبيعية مما جعلني أدرك أن ارتكاب الأخطاء ليس أمراً حتمياً حتى تستمر الحياة.

كنت أنتظر لحظة الإفطار وأنا مقتنع أنني أستطيع أن آكل كل ما يوجد على المائدة لأكتشف بعد دقائق أنني لا أستطيع -مهما تمكن الجوع منى- أن آكل ما يزيد على طاقتي.. ولذلك فهمت أن زيادة الحرمان قد يؤدي إلى زيادة الاحتياج ولكنه لا يمكن ان يجعلنا نستوعب أكثر من طاقتنا.. وكان ذلك المعنى هو علاجي كلما شعرت أن طموحي يفوق قدراتي.

كنت طفلاً لا يفهم لماذا لا يعرضوا لنا "بكار" إلا في رمضان.. ورغم أني لم أكن من متابعيه إلا أنني كنت أنتظرك حتى أستمع يومياً إلى مقدمته التي غناها منير.. ولم أكن مثل بكار الذي كان يفهم رغم صغر سنه معنى أنه من قلبه وروحه مصري والنيل جواه بيسري.. بصراحة لم أكن أفهم المعنى ولكني كنت أحب الكلمات.. أحبها جداً.

كنت ذلك الطفل الصغير الذي ينتظر قدومك حتى يسطر خانات الجدول ليسجل فيها الفروض والنوافل التي ينوي أداءها.. وكما علمه مدرس التربية الدينية كان يعاقب نفسه في تهاية كل أسبوع يفشل فيه في أداء ما نوى أن يقوم به.. كنت شهراً خارج السياق تأخذنا معك لنتحول إلى أشخاص آخرين.. وكانت الحياة عموماً في وجودك تجعلني أشعر بالسعادة لسبب لا أعرفه.

أما الآن فقد اختفى كل هذا.. أشعر أن الحياة أصبحت أكثر ديناميكية بما يطغى على أي فرصة للروحانيات.. أفتح التليفزيون فلا أشاهد الشيوخ إلا قبل الإفطار أما بعده فأشعر أن منتجى المسلسلات والبرامج يريدون أن يخرجوا من الشاشة لكي يفتحوا رأسي ويملؤوها بأكبر كمية ممكنة من القاذورات.. لا أفهم لماذا يحاولون أن يفعلوا ذلك رغم أننا – كما أخبرتك- تغيرنا.

لم نعد ننتظر قدومك حتى نتصل بالأهل والأصدقاء لتهنئتهم.. ولكن تطور الأمر فأصبحنا نكتفي برسالة محمول سريعة.. حتى وصلنا إلى مجرد صورة لطيفة على الفيسبوك ثم عمل "تاج" بشكل هستيري لكل من أوقعه حظه السيء في هذه الصفحة.

أصبحنا فجأة مهمون.. كلنا مهمون.. مشغولون.. ولم تعد قادراً على تذكيرنا بأنك شهر يحمل مزايا في نواح تبتعد كثيراً عن الخيم الرمضانية والمسلسلات والأكلات والحلويات.. أعرف أن هذا كان يحدث في الماضي ولكني أشعر أن المسافة بيننا وبينك تتزايد عاماً بعد عام وهذا يؤلمنى بشدة.. فأنا أعترف بأنني أنتظرك لأتقرب إلى الله.. ورغم إيماني بأن رب رمضان هو رب كل الأيام.. ولكن.. إنت فاهم بقى.

في النهاية.. أعدك بأنني لن أسمح لنفسي بأن تجعل علاقتنا علاقة وظيفية خالية من أي مشاعر.. لن يصبح وجودك مجرد مرادف لنظام غذائي مختلف أو تليفزيون ملئ بالاعلانات أوشوارع مكتظة بالسيارات.. ستظل دائماً فرصة لتذكيرنا بما ننساه.. وفرصة لكي ننسى ما نعيش فيه.